كتبت:زينب مصطفى
هل الفنون فعلا جنون،هل الفنان الحقيقي هو الذي ينساق وراء موهبته؛ لتفعل به ما تشاء، وكأنها سحر تملك منه، ويشعر الناس أنه لا يحيى حياتهم، هل العقل والمنطق والحسابات تقيد موهبته أو تقتلها، "ياسين" هو الموهبة الخالصة التي جعلته يعيش كل ألوان الدنيا وحالتها، كان يضحك ويضحك من حوله، وعيونه تملأها الدموع، نجمنا المليونير الفقير الضاحك الباكي.
ولد إسماعيل ياسين فى الخامس عشرة من شهر سبتمبر عام 1912 في حي الأربعين بالسويس، ليكون الابن الوحيد لياسين الصائغ، ولم يكمل تعليمه الإبتدائي، فقد أخذه والده بعد أن أخرجه من المدرسة إلى محل الصاغة الذي يملكه.
كان الأب متعدد الزوجات متعاطي للمخدرات؛ لذلك كان ينفق كل ما يكسبه على نفسه وزيجاته والمخدرات، أما زوجته أم إسماعيل فكانت دائما صابرة، ثم توفيت الأم وتراكمت الديون على الأب حتى وصل به الحال إلى السجن.
عاش "إسماعيل" مع إحدى زوجات أبيه التي كانت قاسية عليه، فترك البيت وذهب إلى العيش في منزل جدته لأمه، والتي كانت أشد قسوة من زوجة أبيه.
أراد "إسماعيل" أن ينتقم من جدته فسرق حصالة نقودها، التي كانت بها ستة جنيهات وهرب إلى القاهرة، واستقر به الحال في شارع "محمد علي" الذي كان يعمل ويعيش فيه، في الصباح يعمل في مقهى بلدي، وفي المساء يغني المنولوجات فى الأفراح الشعبية مع راقصات شارع محمد على.
ثم ترك كل هذا وعمل وكيلا وبشكاتب في مكتب أحد المحامين، ثم تركه وذهب إلى الست بديعة فضم إلى فرقة بديعة وعمل فيها منلوجست وتعرف على المؤلف "أبو السعود الإبياري" الذي كون معه ثنائي فني جعلهما حديث الوسط الفني.
في ثلاثنيات وأربعنيات القرن الماضي كانت الأحداث السياسية تملأ مصر والعالم أجمع، فكان "أبو السعود الإبياري" ينتقد الحدث ويكتب عنه منلوج سياسي وكأنه كاريكاتر ساخر، ثم يعطه لإسماعيل الذي يضيف من عنده بعض الجمل والإفهات والنكات، ثم يلحنه ويغنيه، حتى وصلت مجموع المنلوجات التي غناها "إسماعيل ياسين" إلى أكثر من 500 منلوج، وكان يسجل بعضها للإذاعات الأهلية التي كانت تصدع في أحياء القاهرة، ويؤدي بعضها على المسارح والملاهي التى كان يعمل فيها ومن بينها مسرح وفرقة "علي الكسار" الذي قدمه للسينما ومن هنا بدأ مشوار "إسماعيل ياسين" السينمائي.
"إسماعيل ياسين" بكل مقاييس السينما لا يمكن أن يكون نجم شباك لأنه لم يكن وسيما، أو جميلا، أو صاحب الأداء الرومانسي، والنظارات الحالمة، ورغم كل هذا فقد أصبح نجم شباك، اسمه على الأفيش، "يبيع" بلغة المنتجين، بل وتفوق على كل نجوم ونجمات الشباك آنذاك.
فهو الفنان الوحيد الذي أنتج له أفلام تحمل اسمه مثل "إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين في الطيران والأسطول " والكثير من الأفلام التي تحمل اسم إسماعيل ياسين.
كان لا يمانع أبدا في أن يكون هو البطل في الفيلم وفي الفيلم الثاني هو سنيد البطل المهم أن يعمل ويمثل طوال الوقت، والأهم من ذلك هو المال الذي كان يحبه ولا يحتفظ به كان يعشقه ولا يبقيه معه.
"إسماعيل ياسين" كون مع الؤلف "أبو السعود الإبياري" والمخرج "فطين عبد الوهاب" فريق قدم عشرات الأفلام، حتى وصل عدد الأفلام التي قدمها "ياسين" إلى أكثر من خمسمائة فيلم.
وفي عام 1954 كون لنفسه فرقة مسرحية كانت تحمل اسمه فرقة "إسماعيل ياسين المسرحية"، واشترى لنفسه مسرح خاص قدم عليه أكثر من خمسين مسرحية على مدى اثنى عشر عاما، أى أنه كان يقدم كل عام أكثر من عشرين فيلم، وعشر مسرحيات، وثلاثين منلوج؛ لدرجة أنه لا يعرف الأجر الذي يتقاضاه، بل كان يترك الأمر لبعض المحيطين به لإيداع الأموال في البنوك وهو ما عليه أنه يصرف.
وأراد بناء عمارة يتحدث عنها الجميع، وبالفعل بنى عمارة كبيرة في الزمالك كانت تضاهي أفخر العمارات في باريس ولندن، فهي تعتبر من أجمل وأفخر العمارات في القاهرة.
كان "إسماعيل ياسين" يعمل طوال الوقت ليلا ونهارا، وكان يحب أحيانا أن يروح عن نفسه في لعب الكوتشينه، في البداية كان تسلية، وترفية، وجلوس مع الأصدقاء، ثم تطورت حتى أصبحت إدمانا، ثم تحولت إلى القمار، فباع كل ما لديه ولم يتبقى معه سوى العمارة التي أنفق عليها الكثير، فعرضها للبيع واشتراها أحد الإعلامين الكبار في الإذاعة المصرية، وأنفق ثمنها على إدمان القمار، ثم تهرب من دفع الضرائب، واستدان من بعض الأشخاص، وتراكمت عليه الديون، وطالبته مصلحة الضرائب بمستحقاتها فحل فرقته المسرحية وباع المسرح.
وذهب إلى لبنان عام 1966، وأخذ يعمل في المسارح والملاهي الليلية كمنلوجست، بالإضافة إلى بعض الأعمال السينمائية، مما أصابه ذلك بالحزن الشديد الذي كانت نتيجه مجموعة من أمراض القلب، وهو لم يتجاوز ال 55 عاما، ثم عاد إلى القاهرة بعد سداد ديونه، وطرق أبواب المنتجين؛ طالبا العمل فأعطوه ظهورهم، فعاد إلى العمل في الملاهي ليعمل بها.
ما هو مصدر المعلومات
ردحذف